الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.الخبر عن افتتاح بلاد توجين وما تخلل ذلك: لما نازل يوسف بن يعقوب تلمسان وأحاط بها وتغلب على بني عبد الواد وسما إلى تملك بلاد توجين وكان عثمان بن يغمراسن قد غلبهم على مواطنهم وملك جبل وانشريش وتصرف في بني عبد القوي بالولاية والعزل وأخذ الأتاوة سنة إحدى وسبعمائة وأوعز إليه السلطان ببناء البطحاء التي هدمها محمد بن عبد القوي فبناها وتوغل في قاصية المشرق ثم انكفأ راجعا إلى حضرة أخيه وعطف على بلاد بني توجين سنة اثنتين وسبعمائة وفر بنو عبد القوي إلى ضواحيهم بالقفر ودخل إلى جبل وانشريش وهدم حصونهم به ورجع إلى الحضرة ثم بادر أهل تافركينت سنة ثلاث وسبعمائة بإيتاء طاعتهم وانتقضوا طاعتهم بعدها ثم بعث أهل المرية طاعتهم السلطان فتقبلها وأوعز ببناء قصبتها وراجع بنو عبد القوي بعد ذلك بصائرهم فدخلوا في طاعة السلطان ووفدوا عليه بمكانه من المنصورة مدينته المحيطة على تلمسان سنة ثلاث وسبعمائة فتقبل طاعتهم ورعى سابقتهم وأعادهم إلى بلادهم وأقطعهم وولى عليهم علي بن الناصر بن عبد القوي وأوعز ببناء قصبة المرية سنة أربع وكملت سنة خمس وسبعمائة وهلك علي بن الناصر خلال ذلك فعقد عليهم لمحمد بن عطية الأصم كما ذكرناه فاستمر على الطاعة ثم انتقض سنة ست وسبعمائة وحمل قومه على الخلاف وانتبذوا عن الوطن إلى أن هلك يوسف بن يعقوب كما نذكره إن شاء الله تعالى والله تعالى أعلم..الخبر عن مراسلة الموحدين ملوك إفريقية بتونس وبجاية لزناتة وأحوالهم معهم: كان لبني أبي حفص ملوك أفريقية مع زناتة هؤلاء أهل المغرب من بنى مرين وبني عبد الواد سوابق مذكورة فكمان لهم على يغمراسن وبنيه طاعة معروفة يؤذون بيعتها ويخطبون على منابرهم بدعوتها مذ تغلب الأمير أبي زكريا بن عبد الواحد على تلمسان وعقده عليا ليغمراسن واستمر حالهم على ذلك وكانت لهم أيضا مع بنى مرين ولاية وسابقة بما كان بنو مرين مذ أول أمرهم يخاطبون الأمير أبا زكريا ويبعثون له بيعة البلاد التي يتغلبون عليها مثل مكناسة والقصر ومراكش أخرا ثم صارت مخالصته من لدن عهد المستنصر ويعقوب بن عبد الحق وكانوا يتحفونهم بالمال والهدايا في سبيل المدد على صاحب مراكش وقد ذكرنا السفارة التي وقعت بينهما سنة خمس وستين وستمائة وأن يعقوب أوفد عامر بن إدريس وعبد الله بن كندوز ومحمد الكناني وأوفد عليه المستنصر سنة سبع وستين وستمائة بعدها كبير الموحدين يحيى بن صالح الهنتاتي في وفد من مشيخة الموحدين ومعهم هدية سنية ثم أوفد الواثق ابنه سنة تسع وسبعين قاضي بجاية المذكور أبا العباس أحمد الغماري وأسنى الهدية معه ولم يزل الشأن بينهم هذا إلى أن افترق أمر آل أبي حفص وطار الأمير أبو زكريا بابن الأمير أبي اسحق بن يحيى بن عبد الواحد من عشه بتلمسان في وكر عثمان بن يغمراسن وأسف إلى بجاية فاستولى عليها سنة ثلاث وثمانين وستمائة واستضاف إليها قسنطينة وبونة وصيرهما عملا لملكه ونصب لهما كرسيا لأمره وأسف ضمان بن يغمراسن لفراره من بلده لما كان عليه من التمسك بدعوة عمه أبي حفص صاحب تونس فشق ذلك عليه ونكره واستمرت الحال على ذلك ولما نزل السلطان يوسف بن يعقوب بمخنق تلمسان وأرسى قواعد ملكه بساحتها وسرح عساكره لالتهام الأمصار والجهات وتوجس الموحدون الخيفة منه على أوطانهم وكان الأمير أبو زكريا في جهات تدلس محاميا عن حوزته وعمله ووصله هنالك راشد بن محمد نازعا عن السلطان أبي يعقوب ثم طلعت العساكر على تلك الجهات في اتباعه فزحف إليه عسكر الموحدين سنة تسع وتسعين وستمائة بناحية جبل الزاب ففضوا جمعه وأوقعوا به واستلحموا جنوده واستمر القتل فيهم وبقيت عظامهم ماثلة بمصارعهم سنين ورجع الأمير أبو زكريا إلى بجاية فانحصر بها وهلك على تفيئة ذلك على رأس المائة السابعة وقارن ذلك مغاضبة بينه وبين أمير الزواودة لعهده عثمان بن سباع بن يحيى ابن دريد بن مسعود البلط فوفد على السلطان أخريات إحدى وسبعمائة ورغبه في ملك بجاية واستمده للسير إليها فأوعز إلى أخيه الأمير أبي يحيى بمكانه من منازلة مغراوة ومليكش والثعالبة بأن ينهض إلى أعمال الموحدين وسار عثمان بن سباع وقومه بين يدي العساكر يتقصون الطريق إلى أن تجاوز الأمير أبو يحيى بعساكره بجاية واحتل بتاكرارت من أوطان سدوبكش من أعمال بجاية وأطل على بلاد سدويكش وانكفأ راجعا فأوطأ عساكره ساحة بجاية وبها الأمير خالد بن يحيى وناشبهم القتال بعض أيام جلا فيها أولياء السلطان أبي البقاء عن أنفسهم وسلطانهم وأمر بروض السلطان المسمى بالبديع فخربه وكان من آنق الرياض وأحفلها وقفل إلى مكانه من تدويخ البلاد وأعرض عن أعمال الموحدين وكان صاحب تونس لذلك العهد محمد بن المستنصر الملقب بأبي عصيدة بن يحيى الواثق فأوفد على السلطان شيخ الموحدين بدولته محمد بن أكمازير عاقدا أسباب الولاية ومحكما مذاهب الوصلة ومقررا سوابق السلف فوفد في مشيخة من قومه لشعبان سنة ثلاث وسبعمائة وناغاه الأمير أبو البقاء خالد صاحب بجاية وأوفد مشيخة من أهل دولته كذلك وبر السلطان وفادتهم وأحسن منقلبهم.ثم عاد ابن أكمازير سنة أربع وسبعمائة ومعه شيخ الموحدين وصاحب السلطان أبو عبد الله بن يزريكن في وفد من عظماء الموحدين وأوفد صاحب بجابة حاجبه أبا محمد الرخامي وشيخ الموحدين بدولته عياد بن سعيد بن عثيمن ووفدوا جميعا على السلطان ثالث جمادى فأحسن السلطان في تكرمتهم ما شاء ووصلهم إلى نفسه بمساكن داره واراهم أريكة ملكه وأطافهم قصوره ورياضه بعد أن فرشت ونمقت فملأ قلوبهم جلالا وعظمة ثم بعثهم إلى المغرب ليطوفوا على قصور الملك بفاس ومراكش ويشاهدوا آثار سلفهم وأوعز إلى عمال المغرب بالاستبلاغ في تكرمتهم واتحافهم فانتهوا من ذلك إلى الغاية وانقلبوا إلى حضرته آخر جمادى وانصرفوا إلى ملكهم بالحديث عن شأن رسالتهم وكرامة وفدهم.ثم أعاد ملوكهم مراسلة السلطان سنة خمس وسبعمائة بعدها فوفد أبو عبد الله بن أكمازير من تونس وعياد بن سعيد من بجاية وأوفد السلطان على صاحب تونس مع رسوله صاحب الفتبا بحضرته الفقية أبا الحسن التونسي وعلي بن يحيى البركشي رسولين يسألان المدد بأسطوله فقضوا رسالتهم وانقلبوا سنة خمس وسبعمائة ووصل بخبرها أبو عبد الله المزدوري من مشيخة الموحدين واقترن بذلك وصول حسون بن محمد بن حسون المكناسي من صنائع السلطان كما أوفده مع ابن عثيمن على مراسلة الأمير أبي البقاء خالد صاحب بجاية في طلب الأسطول أيضا فرجعوه بالمعاذبر وأوفدوا معه عبد الله بن عبد الحق بن سليمان فتلقاهم السلطان بالمبرة وأوعز إلى عامله بوهران أن يستبلغ في تكريم عمرة الأسطول فجرى في ذلك على مذهبه وانقلبوا جميعا أحسن منقلب وغنى السلطان عن أسطولهم لفوات وقت الحاجة إليه من منازلة بلاد السواحل إذ كان قد تملكها أيام مما طلتهم ببيعته واتصل الخبر بصاحب تلمسان الأمير أبي زيان بن عثمان المبايع أيام الحصار عند مهلك أبيه عثمان بن يغمراسن آخر سنة ثلاث وسبعمائة فبلغه صنيع الموحدين في موالاة عدوه السلطان يوسف بن يعقوب ومظاهرته بأساطيلهم عليه فأسفهم ذلك وأخرسوا منابرهم عما كانت تنطق به من الدعاء من عهد يغمراسن فلم يراجعوا دعوتهم من بعد وهلك السلطان على نفيئة ذلك والبقاء لله وحده.
|